يحكيو على واحد حطّاب ، زايد بش نطوّلو النّازلة ، كيف كل حطّاب متاع كل حكاية عندو مزريشة ولاد ، و في الصّيف محروق و في الشّتا مغروق ، كل يوم من الظلام للظلام و هو يحطّب في الغابة بش يروّحشي بحميّل حطب يبيعو و مش منجّم نفسو ، الفطور بالفطور و العشا بالعشا و كان بطّل نهار مرتو و ولادو ينتنو بالشّرّ .
نهار طفطف الهمّ على قلبو ، مشى لراجل كبير عندهم في الحومة طالب علم ،
قالّو : – ” يا بابا توّا ما تقولّيش أحنا الناس الكل خليقة ربّي و أولاد 9 شهُر ، و الكل مش كيف كيف ؟ ناس غُنيا و مباسيط و ناس سلاطين و ناس تدزّ في المال بالرّكبة و آنا في هالحالة هذيّا ، ياخي شنوّا ذنبي بربّي ؟ توّا هذا عدل و إنصاف ؟ إنت طالب علم و تعرف ، تي شكونو هاللي يقسم في الأرزاق ؟ “
قالّو : – ” ما تعرفش اللي ربّي هو اللي خلقك و خلق الناس الكلّ و قيّد لكلّ حدّ رزقو ؟ “.
هو مازال ما كمّلش كلامو و الحطّاب عطاه باللّفتة و مشى من غير ما ردّ عليه السّلام .
– ” إيجا ” قالّو ” إيجا نقولّك “
قالّو : – ” لا مش لازم ، عرفتو و هاني ماشيلو “. الراجل م الفقر و م الاحتياج و م الجوع كاينّو خذا و عطى في عقلو .
خرج من البلاد ، شدّ الثّنيّة و بدا يقيس فيها بالخطوة حتى بعثلو ربّي سبحانو ملك من السّماء ، قالّو : – ” وين على خير يا ولدي ؟ ” ،
قالّو : – ” ماشي لقسّام الأرزاق نشوفو شنيّا نازلتو هذايا اللي ما تفكّرنيش. “
قالّو : – ” تحبّ ندلّك ليه ؟ “
قالّو : – ” إيه اللي يعمل الخير ما يشاورش. “
قالّو : – ” شدّ هالثنيّة هذي توّا توصلّو ، لكن ردّ بالك ، لو كان آش تشوف كلمة واحدة ما تقولهاش ، لا مليحة لا دونيّة ، آما اغزر بعينك و كَهو “.
بقّاه بخير و مشى ساعة من زمان و يشوف في هالعربيّة فارشة شبكة في القاعة و تعبّي فيها بالحطب . الراجل هذيّا صنعتو ، ماهو الصّبابطي كيف يقابلك في الشارع يغزر لصبّاطك و الحجّام يغزرلك لراسك محجّم مليح ولاّ لا و التّارزي كيف كيف ، و هذايا هو صنعتو حطّاب ، شاف مرا تعبّي في الحطب في شبكة وقف عليها يتفرّج .
عبّات الشّبكة و حزّمتها و ربطتها و جات بش تهزّها على ظهرها ، هي تهزّ من هوني و الشبكة تطيح من غادي ، حاولت حاولت ما نجّمتش . ولاّت حلّتها ، يسخايلها بش تنقّص منها ، و هي بدات تدور و تقشقش و تجيب تكدّس فيها في حطب جديد فوق الحطب لولاني . قال ” شنوّا ؟ تي هي ما نجّمتهاش ، في عوض اللي تنقّص منها زادت ؟ “.
أيّا سيدي عاودت ربطتها و جات بش تهزّها ياخي طاحت هي ويّاها . عاودت حلّتها ، يسخايلها المرّة هذي عاد بش تنقّص م الحطب هذاكا ، ياخي قعدت تدور و تقشقش في حطب آخر و تكدّس فيها حتى ولاّت جبل . جات تربط الحبل متاعها ما عادش يكفي ، نحّات تقريطتها و محزمتها و ربطتهم في بعضهم مع الحبل و عقدت الكل و جات بش تهزّ ، لا نجّمت لا تحلحزها لا تحرّكها حتى التّحريك من بقعتها.
قاللها : – ” تي إنت يامّي بربّي في عوض اللي تنقّص قاعدة تزيد ؟ ياخي منين تنجّم تهزّ هذاكا الكلّ ؟” و إذا بيه هو قال هالكلمة هذيّا و المرا ذابت من قُدّامو ، لا هي لا حمل الحطب ، ما ثمّا حتى شي إلاّ صاحبو اللي وراه ورّاه الثّنيّة ، واقف ،
قالّو : – ” آنا مش وصّيتك لو كان آش تشوف ما تتكلّمش ؟”
قالّو : – ” سامحني عاد شي يفدّد ، هالعزوزة هذيّا حبّيت ننصحها . على كل حال مليح يا سيدي ما عادش نتكلّم. “
قال : – ” مليح ، أيّا برّا “.
مشى . سويعة من زمان و يشوف في صيّاد ، مُكحلتو في يدّو و هو يجري و ينقز و يلهث و وجهو كيف قرن الفلفل و عروقاتو شرتلاّ ، و أرنب تنطّع قُدّامو و هو هَي هَي في جُرّتها ، و الصّيد خالط عليه و كل خطوة يزيد يقربلو و مكهّب عليه و فُمّو محلول و خطوة أخري بش يتلافاه ،
قالّو : – ” صيد صيد اهرب “. ياخي ذابوا من قُدّامو الارنب و الراجل و الصّيد ، إلاّ هاك الملك واقف ، قالّو :
– ” ما تتربّاش ، آش بش نقولّك .. مش قلتلك ما عادش تتكلّم ؟ “
قالّو : – ” آنا على كلّ حال ما سبّيتش الدّين ، تي الراجل بش ياكلو صيد ، نخلّيه ما نوقضوش ؟ تي ماهو النّصيحة م الدّين. “
قالّو : – ” مليح مالا دبّر راسك ، هاني مشيت على نفسي. “
قالّو : – ” لا بربّي يا بابا سامحني ما عادش نعاود .. هاه ، من توّا نحُطّ كمامة على فُمّي ، هاه ” ، قالّو ” مليح ، أيّا برّا “.
شدّ الثّنيّة . برّا ماشي برّا ماشي ، عليه و ع البلاد ، دخل لهاك البلاد و بدا يدور في النّهوجات و في الأسواق حتى وصل كيما تقول إنت لسوق الفلقة ، يشوف في ززّار معلّق علالش صغار ، علالش حليب ، لحم كيف الورد من البّاخ يطيب كيما يقولوا ، ترمي عليه الحبلة ، و لا من واقف عليه ، و الزّزّار نشّاشتو في يدّو و هو بزوز يدين ينشّ في الذّبّان و يقول يا قلّة الصّحّة .
زاد خطوة لقُدّام يشوف في حضبة أخرى و ضرب كتف و عياط للسّماء و عرك و خصام و كشاطي في القاعة و حوايج فتايل و هذا يركل في هذا و هذا يدزّ في لاخر ، قال ” هذي لازم بعض الزّردة يتزاحموا عليها الناس “. دخل ما بين النّاس ، عمل كتيّف ، اتسرسب ما بين السّاقين ، تعفّس تعفيسات ، أيّا وصل . آش يلقى ؟ يلقى هاك الحضبة على حانوت ززّار . لحم أزرق أكحل ، حاشى من يعدّي ، الدّود يتهامر منّو ، و ريحة النّتونة متاعو عاملة مسدّ و النّاس هابطين عليه كُبّة ، هذا يحبّ رطل و هذا يحبّ كيلو و شكون ياخذ قبل لاخر و بالك ما يلحقلوش الطّريق .
بدا موَخّر يا سيدي يدزّ بظهرو و باكتافو حتى ملص و خرج من هاك الحضبة هذيكا و جا اتّكّى على حيط و قعد يتفرّج في عجب ربّي و شنيّا هالبلاد و شنيّا السّبر متاعها . هو هكّايا و يشوف في واحد ولد بلاد جاي ، همّة و عمّة ، جبّة القمراية من تحت حديدها و كشطة المطروز و السّلسلة و المنقالة ذهب على سدرو و الكلاسط بالجريدة و هو يترشّق في كُنطرة الفرنيز ، جاي يعجّل في خطوتو و مكبوس كاينّو شنوّا اللي بش يفوتو .
وصل لهاك الحضبة هذيكا و شمّر الجبّة و دخل في وسط الناس و بدا يدزّ . غاضو حالو . جاه من تالي و بدا يجبد فيه ” يا خويا يا خويا ، تي إنت ظاهر عليك ولد بلاد و ولد عايلة و نظيف و متثقّف ، ترضى يدزّوك و يضربوك و يقطّعولك حوايجك هكّايا على لحم منتن اللي ما ترضاش تاكلو الكلاب ؟ تي إيجا شوف ، تي إيجا شوف اللّحم البريمة ، تي إيجا شوف هالورد اللي خلقو ربّي “. هو ما كمّلش كلامو و يلقى نفسو في الخلا ، لا بلاد لا ززّار لا حضبة لا حتى شي إلاّ هاك الملك.
قالّو : – ” إنت يا ولدي ما تنجّمش توصل لمقصودك على خاطر لسانك ما يهنّيكش . يلزم ترجع على نفسك لبلادك خير ” ،
قالّو : – ” و الله الحق معاك يا بابا ، نروّح لبلادي ناكل كسيرة خبز بالماء خير من هالخُنّار اللي كنت نشوف فيه . بربّي كيفاش الواحد يشوف العوج بعينيه و يسكت ؟ “
قالّو ” يا ولدي هذومكا أشاير و آنا بعثني ليك سبحانو و تعالى بش نوقّضك ” ، قالّو ” آش فيها من توقيض هذي ؟ تي هاو كل شي ظاهر ” ،
قالّو : – ” لا مش كل شي ظاهر . هاك العربيّة اللي لقيتها تهزّ في الحطب و تطيح بيه هذاكا ابن آدم في هالوقت ، و حزمة الحطب الذّنوب متاعو ، في عوض اللي ينقّص م الذّنوب بفعل الخير و بالصّلاة و العبادة بش يخفّ عليه و يقابل وجه ربّي خفيف نظيف ، ابن آدم يبدا يزيد يعبّي في الذّنوب و يجري و يقول يا قلّة الصّحّة ، و الصّيّاد هذاكا زادا ابن آدم ، و الأرنب المال ، الدنيا ، و الصّيد الموت . يبدا يجري في جُرّة المال وين هات و من حلالك و من حرامك و يكنز و ناسي اللي الموت وراه و الغاسلة في جُرّتو بإبريق . و هاك البلاد اللي شفت امّاليها يشريو في اللّحم المنتن و اللّحم الفرشك مش مصفّرين عليه ، هذومكا فلوسهم حرام ، شفت الفلوس الحرام وين تمشي ؟ تمشي في الظلام ، ما خيرش م الرزق الحلال و من عرق الجبين . كسرة شعير تعدّيها بالماء و تكون حلال خير من مال قارون ، فهمت ؟ ” ،
قالّو : ” فهمت “. و رجع لله و تاب ، و تلفّت لقى نفسو في بلادو و في وسط مرتو و وليداتو ، و هزّ فاسو و قال ” يا ربّي على بابك ” ، و مشى يحطّب كيف عادتو ، حتى رزقو ربّي من الرزق الحلال الطّيّب.