و في هالعصر هذا اللي بش نحكيو عليه ، كان المشنوق يقعد ثمّا ، يبات في المشنقة متاعو يعدّي فيها النهار الكل و هو معلّق و كذلك الليل الكل . زمانتها كانت القعّادين ، هذاكا نهج القعّادين ما بين باب سويقة و رحيبة سيدي الجبالي ، كانت حومة الكيوف ، حومة الفنّ . كانوا مطربات يعملو عوّاديّات و سهريّات في ديارهم.
كانت زمانتها واحدة كيف ما نقولوا شامة تبرسقيّة اللي كانت اتشهرت في سالف التّاريخ . ليلة عندها جماعة ساهرين في الدّار . بعد الكيف و الفنّ و الطّرب و المُدام ، حطّوا المحَطّ و قعدوا يحكيو ، حتى حكى واحد على فلان الفلاني قالوا مات و امّاليه دايرين بيه و يتباكاو و هو قام قعد في وسطهم ، و هربوا الكل فر فر حتى خلاّوُوه ، قالوا لبسو شيطان .
قام واحد قال :
– ” آنا نخاف من الميّت يا خويا . ما ننجّمش نُقربلو و لو يكون بابا . “
قالت هالشامة التبرسقيّة : – ” آش فيه بربّي ما يخوّف الميّت بعد اللي مات ؟ حاجة من حوايج الميت ، ميدة والا مضَربة والا فردة بنك ، بربّي آش فيها ما يخوّف ؟ آنا ما نخافش من الميت .” واحد صدّق ، واحد كذّب .
قالت : ” هاو نتخاطرو ، جرّبوني .” باش بش يجرّبوها ، باش بش يجرّبوها .. واحد قال :
– ” تعرف ؟ اليوم عند المغرب شنقوا واحد من باب سويقة و أهوكا بايت معلّق في المشنقة . تنجّم تمشيلو في هالليل و تقصّ بيه الحبل ؟” قالت :
– ” نمشي ” ،
– ” زعما يا بنتي ؟” قالت :
– ” نمشي “. و اتّفقوا كان جابتلهم طرف من الحبل اللي قصّتّو كل واحد قدّاش بش يدفع ، و كان ما نجّمتش نفسها اللي كلاوُوه و شربوه الكل ليلتها و حقّ العوّاديّة و كل شي من عندها ، و خرجت .
هزّت سكّينة و كرسي بش تتعلّى على خاطر المشنقة عالية عليها ياسر ، و تبارك الله وقتها لا عسّاس لا حتى شي . أيّا مشات في هاك الظلام هذاكا ، وصلت للمشنقة ، حطّت الكرسي ، طلعت ، اتشعبطت في المشنوق ، قصّت بيه الحبل ، طاح في القاعة . حلّتلو هاك الخُرطة هذيكا اللي في رقبتو و رجعت تجري بالفجعة ، ماهي مرا على كل حال . نسات كُرسيها و سكّينتها و هي تجري . تلقى الجماعة يستنّاو . رمات في وسطهم هاك الطرف حبل و داخت .
هذا ما كان من الجماعة ، آما ما كان من المشنوق قالّك يا سيدي جاو شنقوه عند المغرب ، و عمّك حسين تاعب و ماذا بيه يروّح لدارو ، جات الخُرطة مش في رقبتو قدّ قدّ آما الفوق شويّا في دقنونتو ، قعد معلّق و دايخ . كيف قصّت بيه الحبل و طاح في القاعة و حلّتلو الخُرطة ، مع النسمة ضربتّو و الليل بارد ، عطس ، تنفّس ، تحرّك ، حلّ عينيه ، يلقى نفسو مشلوح في القاعة . تفكّر اللي هو مشنوق .
كيفاش بش يعمل ، كيفاش بش يعمل .. لازمو يهرب ، لكن وين بش يهرب ، البلاد مسكّرة وقتها و السّور داير بالبلاد و البيبان ما تتحلّ إلاّ في الصباح . قال ” على كل حال بش ندبّر .” قام من ثمّيكا ، من غير ما فطُن هزّ هاك السّكّينة ، مشى لبد في الطّرخانة .
ع الفجر تحلّ باب العلوج ، كبّ القشّابيّة على راسو ، ماهو المشنوق يلبّسوه قشّابيّة ، و خرج . خطيوة خطيوة ، كيف بعد شويّة ع الباب تسيّب على ساقيه كاينّو خيّالة ، يطوي في الأرض طويان و منها قال ” تي تو يخلطو عليّا ، هاذي هي الثّنيّة ، ياخي وين بش يمشيو .” لقى خشّة اتخبّى فيها . كيف طاح الليل قام شدّ الثّنيّة ، و من غدويكا كيف كيف ، مرّة يرتاح في دُوّار ، مرّة يعطيوه كسيرة خبز ، مرّة يطرّدوه .
تقول إنت النهار الثالث والا الرّابع ماهو هرب ، كهّب ع القيروان ، أهَيكا الصُمعة متع الجامع الكبير . و هو شاقق ذراع التّمّار ، لكن ما يكون يوصل إلاّ ما طاح الليل و باب البلاد اتسكّر في وجهو . لقى نفسو في الجناح الأخضر ، جبّانة لا فيها وين يكنّ راسو لا وين يرقد ، ما ثمّا إلاّ قبور ، آش بش يعمل ، قعد قُدّام قبر . رمى يدّو ، يحسّ في البلل في القاعة . جا يمسّ لقى القبر مازال جديد . راهو ما ثمّا إلاّ في تونس يردموا الميّت و القبر ما يبنيوه إلاّ من غدوا و ساعات بعد غدوا . في كل بلاد ، القبر يتبنى في وقتو و الناس مازالو يعزّيو . أيّا ما عليناش هذي ملاحظة صغيرة للقبّارة متاعنا متع تونس .
الراجل تاعب ، نهار كامل و هو يضرب في الكارع ، و ماهو إلاّ دم و لحم على كل حال ، حطّ راسو ع القبر و اتمدّ بش يرقد . بدا يزرّ فيه النوم و يسمع في شي جاي من الأرض ، كاينّو ابن آدم ينين . في الأول ينسّي و يكذّب و منها قال “تي هذا ابن آدم . لازم اللي مدفون في هالقبر .” من حينو جبد هاك السّكّينة هذيكا و بدا يخنتب و يحفر . أيّا يحفر يحفر ، نحّي هالحجرة هذيّا ، قلّع الحجرة لُخرى .. عمل نُقبة ، الحسّ باقي يُكثر ، عروقاتو شرتلاّ و هو في خلافات من عقلو يخرّج في الحجر و يجبد في التراب ، حتى وصل للحود ، كثر العياط ، جبد لحد منهم ، يلقى ابن آدم . هاك الابن آدم كان يعيّط ، سكت ، و هي طفلة . كيف فاقت بدات تصيح و كيف تحلّ عليها القبر داخت . طلّعها ، مدّها في القاعة ، عطاها كفوف ، سخّنها ، فاقت ،
قالت :
– ” يحيي من أحياني و يقتل من قتلني “.
– ” كيف سبّتك يا بنتي ؟”
قالت : – ” ما نعرفش ، شبيّا هوني ؟ كنت في دارنا ، تي آنا مريضة “
– ” شبيك هوني ؟”
قالتلو : – ” ما نعرفش “
قاللها : – ” تي هاك في قبر ” ،
قالتلو : – ” مالا لازم دُخت و يسخايلوني متّ دفنوني “
– “بنت شكون إنت ؟ “
قالت : – ” بنت سي فلان ” آش بش يعمل توا ؟ ليل ، و البيبان متع البلاد مسكّرة و الدنيا بدات تبرد . نحّى قشّابيتو غطّاها بيها ع الكفن متاعها . خذاها النوم رقدت .
ع الصباح اتحلّ باب البلاد ، قاللها :
– ” أيّا نوصّلك لداركم . وين تسكنوا ؟” قالت كيما نقولو في حومة الجامع .
– ” وين جات هذي حومة الجامع ؟”
قالت : – ” ما نعرفش “. زمانتها كانوا النّسا ما يخرجوش من الدّيار و حتى اللي توقّفها في راس الزنقة ما تعرفش توصل لدارها . بدا ينشد وين حومة الجامع وين حومة الجامع و هي في جرّتو مهبّطة طربوشة القشّابيّة على وجهها . أيّا وصلوا. قال ” بالله وين دار سي فلان ؟” قالولو ” أهيكا اللي بابها محلول ويخرّجوا منها في الكراسي البارح، فيها ميّت.” أيّا قاللها ” زوز هاي داركم “.
هي دخلت و القيامة قامت و بدات هاك النّسا فر فر ، اتفجعوا هاك النّسا هذومكا و بداو أعفس فيّا و نعفس فيك يسخايلوها لبسها شيطان و حلّت القبر و خرجت . أيّا رجعلهم شاهد العقل و ولّى زغاريد و بوس و تعنيق و ناس كانت تعزّي ولاّت تهنّي، و هاك الفرّادي ولاّت البوسة فيه بشريف ، و ضيافات و امّاكل و بو الطفلة قال بكذاه و الأيمان إلاّ ما يكتبلهم الزّداق على بعضهم . و عرّسوا و تهنّى و تهنّات حتى ماتت و مات.